سورة الزلزلة - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزلزلة)


        


{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}
{إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض} أي حركت واهتزت {زِلْزَالَهَا} مصدر وإنما أضيف إليها تهويلاً كأنه يقول الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} يعني الموتى الذين في جوفها، وذلك عند النفخة الثانية في الصور. وقيل: هي الكنوز وهذا ضعيف لأن إخراجها للكنوز وقت الدجال {وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا} أي يتعجب من شأنها فيحتمل أن يريد جنس الإنسان أو الكافر خاصة؛ لأنه الذي يرى حينئذ ما لا يظن {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} هذه عبارة عما يحدث فيها من الأهوال فهو مجاز وحديث بلسان الحال وقيل: هو شهادتها على الناس بما عملوا على ظهرها فهو حقيقة، وتُحدّث يتعدّى إلى مفعولين حذف المفعول منهما، والتقدير تحدث الخلق أخبارها، وانتزع بعض المحدثين من قوله: تُحدّثُ أخبارها أن قول المحدّث حدثنا وأخبرنا سواء، وهذه الجملة هي جواب إذا زلزلت وتحدث هو العامل في إذا. ويومئذ بدل من إذا ويجوز أن يكون العامل في إذا مضمر وتحدث عامل في يومئذ {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} الباء سببية متعلقة بتحدث أي تحدث بسبب أن الله أوحى لها، ويحتمل أن يكون بأن الله أوحى لها بدلاً من إخبارها وهذا كما تقول: حدثت كذا وحدثت بكذا، والمعنى على هذا تحدث بحديث الوحي لها، وهذا الوحي يحتمل أن يكون إلهاماً أو كلاماً بواسطة الملائكة ولها بمعنى إليها، وقيل: معناه أوحى إلى الملائكة من أجلها وهذا بعيد.


{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً} مختلفين في أحوالهم، وواحد الأشتات شتيت، وصدر الناس: هو انصرافهم من موضع وردهم، فقيل: الورد هو الدفن في القبور والصَدْر: هو القيام للبعث. وقيل الورد القيام للحشر، والصدر الإنصراف إلى الجنة أو النار. وهذا أظهر. وفيه يعظم التفاوت بين أحوال الناس فيظهر كونهم أشتاتاً {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} المثقال هو الوزن والذرة هي النملة الصغيرة، والرؤية هنا ليست برؤية بصر وإنما هي عبارة عن الجزاء. وذكر الله مثقال الذرة تنبيهاً على ما هو أكثر منه من طريق الأولى، كأنه قال: من يعمل قليلاً أو كثيراً وهذه الآية هي في المؤمنين، لأن الكافر لا يجازى في الآخرة على حسناته، إذ لم تقبل منه. استدل أهل السنة بهذه الآية: أنه لا يخلد مؤمن في النار؛ لأنه إذا خلد لم ير ثواباً على إيمانه وعلى ما عمل من الحسنات، وروى «عن عائشة أنها تصدقت بحبة عنب فقيل لها في ذلك؛ فقالت: كم فيها من مثقال ذرة»، وسمع رجلاً هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «حسبي الله لا أبالي أن أسمع غيرها» {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} هذا على عمومه في حق الكافر، وأما المؤمنون فلا يجازون بذنوبهم إلا بستة شروط: وهي أن تكون ذنوبهم كبائر، وأن يموتوا قبل التوبة منها، وأن لا تكون لهم حسنات أرجح في الميزان منها، وأن لا يشفع فيهم، وأن لا يكون ممن استحق المغفرة بعمل كأهل بدر، وأن لا يعفو الله عنهم فإن المؤمن العاصي في مشيئة الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له.